الخميس، 10 يناير 2013

مقدمة


بإسمك اللهم :
لم تصل الأمة في كل تاريخها لمثل هذا الإنفصام الذي يعيشه اليوم جل المسلمين :فنحن اليوم كرؤوس الحمقى :متشكلون من كل التكاثرات ، وبكل فوضى.. حتى ضاعت الهوية ،وضاعت الأصالة، بل وأضعنا أيضا كل المبادئ التي تميز المسلم الحق عن غيره..
فالمسلمون اليوم تائهون شاردون بين الثقافات :ومنا من أضاع كل جواهر عقيدته ..كما منا من حرم الحضارة التي أحلها الله بكل غوغائية، ومعظمنا قد فقد كل أهداف المومن ،ليحيا حياة المتعة وينحني لثقافة الإنحلال والميوعة والتحرر من كل مبدإ : هاته الثقافة التي غزتنا وللأسف من باب الحداثة الجارفة، والذي يعد أكبر ملجأ لأكثر مفكرينا اليوم وخصوصا خصوم المذهبية الإسلامية..فحلت لمن يريد أن يرى بيمناه فقط شعارات التأصيل والأصالة لحد الرجعية كما حلت لمن لايريد أن يرى إلا بيسراه كل شعارات العصرنة والمعاصرة لحد فقدان كل ثوابت الهوية ..
وهاته الحالة لم تأتي سدى، بل قد أسست على مشروع حضاري يهودي كامل سعى فيه الصهاينة من زمان لتكبيل العملاق الإسلامي بكل أنواع الأزمات والقضاء على صلاحه بكل آليات الفساد ..وهانحن اليوم بين ركام مزابلنا لانشم إلا روائح فشلنا الكريهة من كل الواجهات ..فقد هزمنا عسكريا واقتصاديا وفنيا ورياضيا وسياسيا..وو.. وكل هذا يبقى هينا لولا انهزامنا الثقافي واستلابنا الفكري الكامل أمام الآخر : فالغزو الثقافي هو أشد وأعتى أنواع الإحتلال..وهانحن اليوم مستقلون في دويلاتنا لكن جل سياساتنا مستوردة بل وجل برامج تعليمنا وجل كتبنا من الغرب..بل والفرنكوفونيون والأنجلسكسونيون العرب في تكاثر ومتمكنون فينا حتى أن جل شبابنا يتنكر حتى للتحدث بلغته..
فالمصاب إذن وللأسف سرطان يجب استأصاله بأكثر سرعة : فعقول أطفالنا بعد شبابنا في خطر بهيم ، حتى أن بعضنا اليوم لا تستطيع تمييز أسلوب حياته عن الكافر..فهو يتكلم لغته، ولايؤدي شعائر الدين لحد أكل رمضان مثله..ويحارب الإسلام بفكر حداثي جد ضيق تماما كما رسمت ذلك اليهود..والطامة أن لهؤلاء اليد الطولى في أكبر مؤسساتنا الرسمية ، وعلى فكرهم يعتمد في إصلاحنا لنزداد فسادا وغوغائية في مجتمعاتنا برؤوسها الحمقاء ..
ففكر المسلم لم يعد إسلاميا وهوية العربي لم تبق عربية ..والعواصف هاجت على الثقافة الإسلامية من كل جهة ..والمجدد فينا يزيد تكريسا لأزمتنا ..وجل فقهائنا أميون حداثة ومصلحونا متفسخون أخلاقا وعقيدة.. ومسؤولونا مستلبون فكرا ..فعقل الأمة في انهيار ..وكل مجتمعاتنا مرضى بانفصام الهوية : لحد تكبيل القرآن بأهله..والكل مباح : فلا تحليل ولا تحريم :حقيقة لم يحلم بها حتى اليهود.
فكيف نشفي الأمة من جنونها السرطاني؟ وكيف نعود لثوابتنا الأصيلة بكل معاصرة ؟وماالدواء؟

بناء عقل المسلم :



بناء عقل المسلم :

من العوامل الكبرى لأزمتنا الفكرية كمسلمين هي عجز الكثير منا على فهم الخطاب الديني لعوامل عدة أهمها :
ـــ ضعف العديد منا في إتقان لغتنا العربية
ـــ ضعف العديد منا في دراسة النصوص وسبر أغوارها
ـــ بعدنا عن علوم القرآن والحديث
ــ اللغة القديمة والتي من الواجب تجديدنا للعديد من علومنا الفقهية خصوصا.
مما جعل مستوى حتى الساهرين اليوم على شؤون الدين يبقى بسيطا،ومعظمنا لايجيد أبجديات الإسلام ،السبب الذي يجعلنا نتكلم حقا عن أزمة العقل المسلم :لحد الحديث عن ارتباك عقلنا الفقهي برمته : وفوضى كل عالمنا الفكري.
ففي الوقت الذي نجد العقل الغربي مثلا في انسجام تام مع حضارته، نرى المسلم غير مصنف فكريا :
ــ فلا هو بالغربي
ــ ولا هو بالمسلم الأصيل
ــ ولا هو بالمسلم المعاصر
ـ ولا هو بالأصيل المعاصر
وقليل منا أولئك الذين استطاعوا أن يمزجوا أصالتهم بكل معاصرة مع الحفاظ على هويتهم، بينما السواد الأعظم يبقى دون اتجاه.. تائه بين التيارات دون هوية وكأنه لقيط دون أمة .حتى أن كل الصفات التي كانت تميز مسلم الماضي اندثرت إجمالا : فلم نعد نرى إطلاقا في مجتمعاتنا معالم مبادئنا باستثناء الألبسة التقليدية والبنايات العتيقة :كذكرى لماض رحل لتهجم الحداثة الغربية لطمس معالمه دون هوادة..والمصلحون منا يجارفون التيار، لتقتل الكثير من آمالهم الواقعية المرة التي لاتزيد هاته الأزمة إلا تكريسا..والأزمة الفكرية هي أم كل أزماتنا في الماضي والحاضر..ولا مناص لنا منها إلا بإعادة تكوين فكر المسلم الحق بكل خصائصه وخصوصا منها الفكرية والمبدئية :

ففي الوقت الذي نجد فيه إسرائيل تخصص ثلاتة أرباع برامج تعليمها لتعاليم التلمود والتوراة ، نجد برامجنا تكاد تكون خالية من روح التدين حتى أن بعض الدول منا ألغت التربية الإسلامية بمعناها الصحيح، كما أن كل مواد الإسلام لم تعد إجبارية في العديد من ثانوياتنا..فلم يعد أمام الصحوة التي نأملها إلا الجمعيات والجماعات والحركات الإسلامية التي بدورها تعاني من أمراض عميقة..وهي طبيب يحتاج من يطببه.. وبدورهامريضة بحاجة إلى تطبيب حقا حكيم.
فكيف نطبب فكرنا ليكون إسلاميا أو عل الأقل منسجما مع واقعنا بكل أصالة؟؟
وهو سؤال يحتوي بذور الجواب :
ــ فلا بد من فكر حقا إسلامي
ــ ولابد من واقعية أصيلة/معاصرة
ــولابد من أصالة واقعية
لتتالى بعدها الجمل التحليلية التي يمكن إجمالها في »أصالة ومعاصرة المسلم »مما يربط كل ثوابت الحضارة الإسلامية بمستجدات العصر، في خط وسط لايميل للحداثة لحد طمس الماضي ،ولا للأصالة لحد وأد المعاصرة والنداء بالرجعية التي حق لخصومنا أن يلصقوا بها كل صفات الظلامية والتقليد الأعمى والتزمت والتطرف وغيرها من سيل المترادفات التي تشوه الوجه الحضاري لمسلم اليوم.
فعقل المسلم اليوم يحتاج إلى تجديد بكل تأصيل،ولن يتم لنا ذلك إلا بمراعاة مناهج التفكير الثلات في الإسلام والملخصة في :
ــ العقل المجرد الذي يميل إلى التنظير والفهم أكثر من ميله للعمل، وهاته درجة أولى في التربية والإقناع لكنها معلولة لأن مبتغى العلم العمل.وللبرهان هنا صولته
ــ العقل المسدد الذي يسدد فكره بالعمل، ويفهم من العمل ما لايمكن فهمه من لايمارس عمله،وللبيان هنا تحليله وحجته
ــ العقل المؤيد وهو العقل الذي استحكم العمل والعلم حتى ذاقت بصيرته أسرار الدين وهنا للعرفان غايته.
ولهذا لزم عند تكوين المسلم التركيز على المراتب الثلات :
ــ فلا يقول الفقيه /المحدث فقهي وحديثي فقط
ــ ولا يقول المفكر/ الفيلسوف فكري فقط
ــ ولا يقول العارف بالله ذوقي فقط
فليكون تكويننا كاملا لابد أن نقدم الإسلام في صحوتنا كاملا أي ببيانه وبرهانه وعرفانه، الثلاثية التي تشمل كل علومه وإلا فلا شمولية للبديل.

بأية ثقافة؟



بأية ثقافة؟ :

وحينما نتكلم عن الثقافة الإسلامية اليوم فإنا لاناخذها محايدة عن باقي الثقافات، فكل ثقافة بانية فهي من الإسلام ، لكن نتحدث عن أزمة المثقف المسلم وأزمة الثقافة الحركية باسم الإسلام..بينما تبقى ثوابت ثقافتنا ثابتة في المزج بين المنقول والمعقول :
وإن كان المنقول اليوم سليما بمستواه القرآني فإنه ليس بمثل هاته السلامة في نصوص الحديث، مما جعل البعض منا لايقبل إلا الحديث المرتب صحيحا بالقواعد الفقهية ليدير ظهره لكل حديث لم تكتمل فيه شروط هاته الصحة.. وجعل البعض يقزم الصحيح فقط في « صحيح البخاري »ولا يقبل أي حديث مصنفا دون الصحيح مهما ثبتت حكمته..وهاته إشكالية اولى من الواجب البحث في حل فقهي لها..
في حين تبقى الأزمة الكبرى في فهمنا للثقافة الإسلامية :
ـــ هل نعني بها الثقافة الدينية النصية التي تعتمد على حفظ المنقول فقط؟
ــ أنعني بها كل الفكر الإسلامي؟
ــ أم هي كل ثقافة لاتتصادم مع الإسلام؟
في حين أن الثقافة الإسلامية الحقة هي التي تجمع بين النسب الثلات :فكل معقول لايصادم المنقول فهو ثقافة حقة، والحفاظ على المنقول فرض كفاية، ولا تكتمل ثقافة المسلم ما لم يكن تفكيره حقا مسلما..مما يرمز للإعتماد حقا على الفكر الإسلامي كله لبناء فكر المسلم..مما يرمز نسبيا إلى وظيفة التثقيف في المذهبية الإسلامية :
وتلك خاصية يجب أن تكون شاملة لا جزئية تهتم بميدان دون الآخر، فكل حركات وسكنات المسلم الحق إلا ووراءها عبادة..وما دامت ثقافتنا عبادة فإن الثتقيف يجب أن يشمل كل ما يهتم به الإنسان :ففي كل قضية للإسلام فيها كلمة.. وكل مشكل إلا وللإسلام له حل أو حلول :وهذه خاصية ينفرد بها الإسلام عن سائر الديانات،وكل ثقافة لاتسعى لمثل هذا الشمول فهي قاصرة في الإسلام، وتعبر فقط على وجهات نظر من زاوية المجتهدين بها..بينما يبقى التميز الحقيقي للنص الديني الإسلامي هو تعانقه الحار مع كل العلوم الحقة ..ولهذا يمكن الحديث عن ركيزتين للثقافة الإسلامية وهما
ـــ النص الديني ــــ الحقائق العلمية
وهذين الساقين ميزتان للإسلام وحده لأن جل نصوص الديانات الأخرى محرفة، ومعظم الديانات اليوم تميل إلى الخرافة والكهنوت وتطمس العقل وتحارب العلم ..فاستنباط هاته الثقافة إذن يدعو إلى إنزال الآيات والأحاديث على الواقع بكل علمية ..والفكرة العلمية الحقة هي التي توحد الرِؤى وتلم الإختلاف في نسق واحد غير متضارب :لأنه إن وجب الإختلاف علميا في مسألة فهذا يعني صحة العديد من الإجتهادات ،وقد صدق من قال :
« الصواب يتعدد لكن الحق واحد »
ففرق إذن بين الفكرة الصائبة والفكرة الحقة التي هي الفكرة الأصوب..والصواب يمكن أن لا يتميز بالعلمية بينما لا يجوز للأصوب أن يفتقر لشرط من شروطها ..مما يخلصنا من مشكل الإجتهادات الجزئية التي يرى فيها المجتهد
ــــ إما أن رأيه هو الأصوب مهما خالفه الآخرون
ــــ وإما يرى أن اختصاصه أقرب لهذا الموضوع من أي ميدان آخر
بينما الأصوب أن لا نرى الأولوية لأي اجتهاد إلا في إطار تفنيده لسابقه أو لمخالفه أو تكميله له أو تكامله معه .
فكل يرى من زاويته، والتنوع في الأطروحات يجعل التكامل أنجع وأعمق وأغنى وأوفر..مما جعل الثقافة الإسلامية تعانق كل العلوم بمنطق كل العلوم..مما يلزم بإيجاد أوسع إطار لاحتواء كل التنوعات : أما الإطار الحزبي فهو ضيق على خاصية العلمية، وغالبا ما نسقط به في الإيديولوجيات والإستراتيجيات والديماغوجيات وكل الأساليب الضيقة التي تربطنا بالواقع أكثر من ارتباطنا بالحق.
فنحن إذن بصدد قومة حضارية لايمكن أن تكون مصلحة إلا إذاخاطبنا العالم بأرقى لغاته، مما لايتم إلا في انسجامنا التام مع كل ما وصلت له الإنسانية من علوم،كما تلزم بمخاطبة كل بمنهاجه كما قال رسول الله صلوات الله وسلامه عليه : »خاطبوا الناس على قدر عقولهم » مما يعني التبسيط مع المتعلم والتعمق مع العالم :فلكي تقنع فيلسوفا بقناعتك مثلا بوحدانية الله يجب عليك الإلمام بعدة علوم زيادة على حجية المنطق،كما أن الحوار مع مؤرخ/ملحد يلزمك بالتحليل التاريخي للأحداث بما في ذلك التاريخ الإسلامي، وإلا أقنعك برؤية المستشرقين القائلة بتناقض الواقع الإسلامي مع مبادئ الإسلام...
ولهذا تبقى الثقافة الإسلامية الحقة ثقافة علمية بمعنى الكلمة ،وواعية وملمة بكل أسس وقوائم الثقافات المعاصرة ..ومتفتحة على مستجدات العالم المعاصر جهد المستطاع..ولهذا فإنها لاتهتم بحفظ المعلومات أكثر من اهتمامها بالإقناع بالمبادئ وترسيخ فهم المسلم لنصوص الدين،فمشكلة كبيرة أن نجد من المسلمين من يحفظ القرآن عن ظهر قلب ، لكنه لايستطيع تأمل آية ..فالأزمة إذن ليست فقط أخلاقية بل كذلك متصلة بارتباطنا الضيق بعلوم القرآن نفسه.ولهذا فإن من شروط المثقف المسلم :
ــ فهمه للقرآن الكريم
ــ علمه بالعلوم اللازمة لعبادته وتعبيد مجتمعه لله وحده
ــ الإلمام بعلاقة الإسلام مع اختصاصه
ــ شغفه بقراءة الفقه والفكر الإسلامي
ــ تفتحه على كل العلوم وعلى الثقافات المعاصرة
مما يعطي لفكره صفة العقل الإستقرائي الناقد ، التي تعد شرطا في كل مصلح حق.
فقراءة الأزمة قراءة سليمة شطر أول وإيجاد بؤرها شطر ثاني قبل أن نتكلم على البديل الذي هو شطر ثالت..مما يلزم الحكمة الكبيرة في الحوار حتى مع الكافر لأن ثقافة الكافر ليست كلها كافرة ..بل هناك من غير المسلمين من تنسجم ثقافتهم بكل جمالية مع الإسلام..واستثمار هذا سيفي بصفة علمية الثقافة الإسلامية كشرط أول في أطروحة أسلمة العلوم قبل الحديث عن إسلامية المعرفة كتيار تعانق كامل بين الإسلام وكل الحقائق. 

زبدة القول


زبدة القول :

فالثقافة البديلة إذن ثقافة إسلامية حضارية تمتطي كل المناهج والثقافات لإيصال حقائق الإسلام، ويلزم تصفيتها من الخرافات الدخيلة الملتصقة جورا بالثرات الإسلامي..مما يلزمنا بنقد ذاتي لثقافتنا، لأن الثتقيف لاينبني على المواقف والشعارات ذات الأغراض الجزئية بقدر ما يرتكز على سلامة الفكر والتعامل ،مما يومئ بتجديد العقل الديني كما ألف فيه العديد من مفكرينا.
فهل البديل الإسلامي يوجب تجديد الثقافة الإسلامية؟وهل للثقافة حقا دور أساسي في هذا البديل؟وهل عقلنا المسلم يحتاج حقا إلى التجديد؟أم أن الثقافات العميقة تبقى بعيدة عن الدعوة للإسلام كما حال العديد من حركاتنا؟وما هي العلوم الواجبة في ثقافة إسلامية بديلة؟ وما سبب ضعف مستويات الطلاب والأساتدة في شعوبنا الإسلامية؟وما حدود الدراسات التي تعتمد على الحفظ فقط كما حال العديد من شعب الدين في الجامعات؟ وما سبب ابتعاد الحركات الإسلامية على الثقافة العالمية؟وبأي ثقافة يمكن هدم التموقف بين المسلمين الذي دونه لن يبقى بريق للعديد من جماعاتنا؟ وتتتالى الأسئلة..والجواب واحد : » بناء العقل المسلم بكل علوم الإسلام والتفتح على كل فكر هادف » وإلا فالتموقف دوما والظلامية لن تزيد إلا حلكة.
والبديل هو الوعي الشامل لحد الثقافة الكونية ، والتربية الخالصة لحد الفقه القلبي ..وتلك هي العلوم في كليتها..والتي يجب تثقيف الحركي المسلم بها جميعها..وإلا فالقصور....